الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير
شرح الوصية الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية
51610 مشاهدة
الشيخ عدي بن مسافر من معتدلة المتصوفة

...............................................................................


ثم إن شيخ الإسلام ذَكَّر أتباع عدي - الشيخ عدي بن مسافر - ذكرهم بحالتهم يقول: منَّ الله عليكم أيها الأتباع بما فضلكم به على كثير من المنحرفة والمتصوفة ونحوهم. وما ذكره من الأمور التي ذكَّرهم به. هذه من قبيل الكرامات. قد يوجد فيه شيء من الأمور التي تستغرب، ولكنها تعتبر كرامات من كرامات الأولياء، ولا تصل إلى شطحات المتصوفة.
إن للمتصوفة -أو غلاة المتصوفة- زلات كثيرة؛ يطلقون عليها شطحات، وينكرونها عليهم، ولكنهم لا يكفرون إلا من غالى فيهم؛ فإن الغلو الذي فيه كثير من المتصوفة أخرجهم إلى الكفر وإلى الإلحاد؛ كما ذكروا ذلك عن أبي اليزيد البسطامي وعن الحسين الحلاج ثم عمن سار على نهجهم في تلك الكلمات النابية؛ مثل ابن عربي الاتحادي، وابن سبعين وابن الفارض هؤلاء شطحاتهم أوصلتهم إلى عقيدة بشعة أطلق عليها الحلول، وهو اعتقادهم أن الخالق والمخلوق واحد.
وأما معتدلوهم -معتدلو التصوف- من المتقدمين؛ مثل بشر الحافي والحارث المحاسبي الجنيد بن محمد الفضيل بن عياض إبراهيم الخواص وأشباههم من أهل الاعتدال. أما الشيخ عدي وكذلك شيخه القرشي الهكاري ؛ هذان ولو كانا على طريقة الصوفية، ولكن تصوفهم؛ ولو كانوا متأخرين تصوف معتدل.
وذلك لأن الصوفية القدامى ليس تصوفهم تصوف عقيدة، ولكنه تصوف زهادة؛ زهد، تقشف، تقلل من الدنيا، انقطاع من اللذات والشهوات وقريب من الرهبنة، والانقطاع الكلي في كثير منهم.
ولكن فعلهم هذا؛ الذي هو الزهد من الدنيا والزهد في ملذاتها قد أنكره كثير من أهل زمانهم، وقالوا: إن الله تعالى أباح زينة الدنيا قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ؛ أي: من حرمها؟ ليست حراما، ولكن كأنهم يقولون: إن هذه الشهوات قد تشغل وقد تلهي، وقد يكون فيها شيء مما يقسي القلب، ويثقل الطاعات على القلب وعلى البدن، ويخفف المعاصي ويدعو إلى اللهو وإلى التساهل في العبادة؛ هكذا رأوا، ولكنهم في باب العقيدة على الكتاب والسنة. وإذا وجد من بعضهم شطحات كثيرة فإنها تغتفر. ويكون الحامل عليه هو جهله ببعض الأدلة.